خطورة معرفة نصف الحقيقة
بقلم: مريم عبدالله النعيمي
إن معرفة نصف الحقيقة اخطر من الجهل بالحقيقة كلها، وان إصدار حكم نهائي على أن المتسبب في الأزمة الحالية هي جهة واحدة بعينها هو نصف الحقيقة وليست الحقيقة الكاملة، النصف الثاني من الحقيقة المغيبة يتمثل عمدا في تحميل المليار مسلم جزءا من المسئولية إزاء الوضع الحرج الذي آلت اليه أحوال الأمة.
ومن المؤسف بأنه رغم فداحة الموقف المتفرج، وإعلان حالة التخلي عن المشاركة الشعورية والعملية إزاء القضايا القومية إلا أن آلتنا الإعلامية أصرت على أن تقدم شهادة حسن سير وسلوك وتمنح براءة ذمة لمئات الملايين من الجمهور العريض لأنهم حسب طرحها غير الناضج أبرياء ومهمشون ولا حول لهم ولا قوة!!
لقد ظل الطرح الإعلامي طيلة السنوات الأخيرة يصرف الجموع عن الالتفات إلى أدوارهم المنتظرة في خدمة قضاياهم ، ويشدهم إلى الأفق الأوحد حيث الحديث عن الخيانة والخذلان من قبل فئة معينة حملها عبء التردي والخيبة، بأجاد القيام بدور المحامي الحاذق لجمهوره من أبناء العروبة والإسلام أولئك الأبرياء حسب تعبيره، العاجزين عن فعل أي شيء، الذين توصد الأبواب أمامهم ولا يملكون إلا الحوقلة والاسترجاع وذرف الدموع على واقع لا يملكون معه إلا الإذعان والإقرار بتفوقه وسطوته!!
الناظر من بعيد، والذي يقرأ نتائج هذا السلوك الإعلامي غير الناضج يعلم بأنه ليس ثمة وصفة للفشل والضياع أدق من هذه الوصفة، حتى أن الشيطان نفسه لو فتح له المجال ليدلي بدلوه، ويسرب مفاهيم لتثبيط همم أبناء هذه الأمة فإنه لم يكن لينجز المهمة المطلوبة منه بمثل الصورة التي قدمها الإعلام العربي ولن يستطيع أن يبلي بلاء الإعلام في مشواره الطويل لغسل أدمغة فئات متعددة من المستهلكين للثقافة الإعلامية .
لقد تنوعت أساليب غسيل الأدمغة لكن النتيجة واحدة، ولصالح أهداف المسيسين للرسالة الإعلامية المعاصرة، فتارة يتطوع الإعلام لتبرير القصور في مشاريع التنمية الشاملة على أنها نتيجة المؤامرة الخارجية، صارفا الأذهان عن التخاذل الرسمي والشعبي في مواجهة التحديات والإصرار على انجاز الأهداف المطلوبة .
وتارة يفتح المجال للتنفيس عن الانفعالات الحادة عبر الخطوط الهاتفية الساخنة التي تشجب وتندد وتشتم الخونة وأعداء الأمة، وكأن مطلقي تلك العبارات اللفظية قد أدوا ما عليهم من واجب تجاه تحقيق انتمائهم الوطني وهويتهم القومية .
وتارة تستضيف شخصيات ديناميتية تتحدث عن الارتباك في المواقف السياسية ولا تنطق بكلمة واحدة حول تخلي الملايين من أبناء الشعوب المسلمة عن أداء ضريبة الانتماء إلى هذه الأمة، وعن الانتكاسة الأخلاقية المريعة التي يعاني منها المجتمع اليوم والتي أظهرت إفلاسا فكريا، وكشفت عن انهيار أخلاقي لم يحظ حتى اللحظة الراهنة بوقفة شجاعة تقول للجموع المتدافعة على الشهوات: إن طريق تحرير الأقصى لا يمر عبر نفق الأهواء ولا عبر بوابة اللهو غير المباح !!
والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا يصرّ مطلقو القنابل الصوتية على غض الطرف عن الممارسات غير المسئولة التي تصدر من أفراد المجتمعات العربية والمسلمة؟ لماذا يصدرون صكوك غفران لأشباه النيام من الملايين التي لم يعد لها هدف سوى أن تحيا كالصائبة من الأنعام؟ لماذا يتجاهلون كبرى الحقائق التاريخية التي تؤكد أن الانهيار الأخلاقي هو الطريق الأقرب للخروج من التاريخ، وإنهاء المعارك الخارجية لصالح الأعداء بعد أن اخترقت الجبهة الداخلية من قبل المجترئين على الخطوط الحمراء؟
لن تقوى جبهاتنا الخارجية وثمة انهيار داخلي يقدم رسالة مرئية بأن الأمة مصابة بأنواع من الأسقام في الروح والضمير.
ترى لماذا يخرس الإعلام عن ذكر هذه الحقائق؟ هل لأنه يعاني من أعراض الانفصام النكد الذي تعاني منه الأمة؟ أم لان لديه ازدواجية في المعايير كالتي لدى من يرشقهم بحممه الكلامية؟ أم لأنه يتعمد أن يقدم نصف الحقيقة لأسباب هو أعلم بها من سواه؟!
إن إجابة هذه الأسئلة في بطن الآلة الإعلامية التي ننتظر أن تفرج عنها في الأيام المقبلة!
أضف تعليق